[center]مرحبا بكم في "منبر الخطبة الأسبوعية"
أتمنى من الله أن نكون وُفقنا في اختيار الخطبة المناسبة
هذه الجمعة إخترنا لكم :
محبة الله ورسوله
لفضيلة الشيخ:
صالح بن فوزان الفوزان
ملخص الخطبة:
1- وجوب محبة العبد ربه.
2- علامت محبة العبد ربه.
3-الاسباب الجالبة لمحبة الله.
الحمد لله على فضله وإحسانه، أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فقامت به الحجة وتمت به النعمة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، وأطيعوه حبا له وإجلالا وطمعا في ثوابه، وخوفا من عقابه؛ فهو الإله الذي تؤلهه القلوب وتعبده محبة وإجلالاً وتعظيما، وإذا كانت القلوب قد جبلت على حب من أحسن إليها، فإن كل إحسان وكل نعمة صادر منها سبحانه: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) [النحل: 53]؛ فيجب على العبد أن يحبه غاية الحب ويعبده وحده لا شريك له، ومحبة العبد لربه لها علامات تدل عليها، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران: 31]؛ فعلامة محبة العبد لله أن يكون متبعا لرسوله يفعل ما أمر به ويترك ما نهى عنه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي) [آل عمران: 31]، أما من ادعى أنه يحب الله وهو مخالف لرسوله فإنه كاذب في دعواه، قال بعض السلف: "ادعى قوم محبة الله فأنزل الله آية المحنة"، (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي) [آل عمران: 31]، وقوله تعالى: (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران: 31]، إشارة إلى ثمرة محبة الله وفائدتها، وهي أن من أحب الله أحبه الله وغفر له ذنوبه قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) [المائدة: 54]؛ فذكر في هذه الآية الكريمة أن محبة العبد لربه لها أربع علامات:
الأولى: الذلة على المؤمنين، بمعنى أن يكون رحيما بهم عاطفا عليهم محسنا إليهم.
الثانية: العزة على الكافرين، بمعنى أنه يكون شديدا عليهم مبغضا لهم. كما قال الله تعالى: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) [الفتح: 29].
الثالثة: أن يكون مجاهدا في سبيل الله بالنفس والمال واللسان والقلب.
الرابعة: أن لا تأخذه في الله لومة لائم، بحيث لا يؤثر فيه لوم الناس له على ما يبذله من الجهاد والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فلا يمنعه لوم الناس له عن الاستمرار في ذلك.
ومن علامة صدق العبد في محبته لله: أن يقدم ما يحبه الله على ما تحبه نفسه، وما يميل إليه هواه وطبعه من المال والقرابة والوطن، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة: 24]، أمر الله نبيه أن يتوعد من قدم محبة هذه الثمانية: أهله وماله وعشيرته وتجارته ومسكنه فآثرها أو بعضها على فعل ما أوجبه الله عليه من الأعمال التي يحبها الله تعالى ويرضاها كالجهاد والهجرة ونحو ذلك، قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: أي إن كانت هذه الأشياء: (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا) [التوبة: 24]، أي انتظروا ماذا يحل بكم من عقابه، ولهذا آثر السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان ما يحبه الله على ما يحبونه؛ فقدموا أنفسهم وأموالهم للجهاد والإنفاق في سبيله مع ما في ذلك من القتل ونفاذ الأموال، وترك المهاجرون ديارهم وأموالهم وأولادهم، وانتقلوا من وطنهم الأصلي إلى دار الهجرة يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله، وقال الله فيهم: (أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحجرات: 15]؛ فقارنوا يا عباد الله بين حال أكثرنا اليوم وحال هؤلاء الصادقين، فالكثير منا اليوم يقدم هوى نفسه على طاعة ربه؛ فإذا دعي إلى الصلاة في المسجد آثر النوم والراحة أو اللهو واللعب ولم يخرج إلى الصلاة ولم يجب داعي الله، وإنما يجيب داعي الشيطان والهوى والنفس، وإذا دعي إلى الصلاة وهو في متجره أو عمله آثر طلب الدنيا على طلب الآخرة فأقبل على البيع والشراء بأداء العمل الدنيوي ولم يذهب إلى الصلاة وعصى أمر ربه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) [الجمعة: 9]، وبقوله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ *رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) [النور: 36،37]. والتاجر الذي يأخذ المال بطرق محرمة كالربا والغش والكذب قد آثر حب المال على حب الله، والبخيل الذي يمنع الحقوق الواجبة في ماله كالزكاة، والإنفاق في سبيل الله قد آثر حب المال على حب الله ونسي قوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [آل عمران: 180].
والوالد حينما يؤمر بإلزام أولاده بالصلاة وإحضارهم إلى المسجد وإنقاذهم من النار كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم: 6]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر"، فإنه لا يبالي بأمر الله ورسوله ويترك أولاده في بيته لا يشهدون صلاة ولا يعرفون مسجدا، لأنه آثر حب أولاده على محبة الله، فهو لا يريد أن يضربهم أو يغضبهم ولو عصوا ربهم وتركوا واجبهم؛ فصارت محبة الأولاد أشد عنده من محبة الله واتقاء غضب الأولاد أهم في نظره من اتقاء غضب الله، وإلا لو كان الأمر بالعكس لقدم أمر الله على محبتهم، وهذا خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أمره الله بذبح ابنه الذي وهبه الله له بعد كبر سنه بادر إلى امتثال أمر ربه وتقديم محبة الله على محبة هذا الابن، ولما ظهر صدق نيته وخالص محبته لربه نسخ الله الأمر بذبح الابن وفداه بذبح عظيم، وبشره بابن آخر هو إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، كل هذا ببركة طاعة الله وتقديم محبته على محبة غيره.
عباد الله: وكما تجب محبة الله تعالى تجب محبة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهي تابعة لمحبة الله ولازمة لها، عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" أخرجاه في الصحيحين، وروى البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه قال للرسول -صلى الله عليه وسلم-: لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك"، فقال له عمر: فإنك الآن أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر"، وذلك لأن الرس-صلى الله عليه وسلم- هو الذي دلنا على الخير وبين لنا طريق النجاة وسبيل السعادة، وحذرنا من الشر والهلاك وبسببه اهتدينا، ومحبته -صلى الله عليه وسلم- تقتضي متابعته وطاعته؛ فمن ادعى محبته بدون متابعته أو ادعى محبته ولم يتمسك بسنته ولم يترك البدع المخالفة لسنته، فهو كاذب في دعوى محبته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن محبته تقتضي فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، وقد قال الله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) [النساء: 80]؛ فالذي يدعي محبته ويخالف سنته ويعمل بالبدع والخرافات هو كاذب في دعواه.
ومن علامة محبة العبد لله ورسوله: أن يحب من يحبهم الله ورسوله؛ فالله يحب المحسنين والمتقين ويحب التوابين ويحب المتطهرين، والقرآن والسنة مملوءان بذكر من يحبه الله سبحانه من عباده المؤمنين وما يحبه الله من أعمالهم وأقوالهم وأخلاقهم، وفي الصحيحين، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار"، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان ولو كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عادة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئا" رواه ابن جرير، فمن أحب الله تعالى أحب فيه ووالى أولياءه وعادى أعداءه؛ فمن كان كذلك تولاه الله، ومن لم يكن كذلك؛ فإن الله لا يتولاه، وإذا لم يتولاه الله، تولاه أعداءه، قال الله تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 257].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم[/center]